Wednesday, October 29, 2008

قصة سكة حديد مصر مع الدولة العثمانية!


2,3 مليون نسمة يركبون يوميًّا الآن خطوط السكك الحديدية بمصر.. ولكن ربما لا يعرف البعض قصة سكك حديد مصر مع الخلافة العثمانية!!.

فالخط ثاني أقدم سكة حديد في العالم بعد خط السكك الحديدية الذي يربط بين مدينتي مانشستر وليفربول في إنجلترا، والذي تم إنشاؤه عام 1830.

وتحتفل مصر هذه الأيام بمرور 150 عامًا على إنشاء أول خط سكة حديد خارج أوروبا، وهو ما يربط بين مدينتي الإسكندرية والقاهرة، والذي تم إنشاؤه عام 1851، حينما كانت مصر إحدى دول الخلافة الإسلامية التي اهتمت بتعبيد الطرق في دولها، وبين بعضها البعض، وذلك بهدف ربطها ببعضها البعض، وسهولة التنقل، والأخذ بكل جديد آنذاك، وقد أنشأت بعد سنوات خط سكك حديد ربط بين تركيا /ودول الشام/ وبغداد/ والحجاز.

وقد وقّع الخديوي عباس الأول عام 1851 مع البريطانى "روبرت ستيفنسن" - نجل جورج ستيفنسن مخترع القاطرة الحديدية - عقدًّا بقيمة 56 ألف جنيه إنجليزي لإنشاء خط حديدي يربط بين العاصمة المصرية والإسكندرية بطول 209 كيلومترات.

ونص العقد على دفع المبلغ على أقساط، قيمة كل قسط 8 آلاف جنيه إنجليزي، وأن يتم التنفيذ في غضون ثلاث سنوات بشرط أن توفر مصر العمال والأطباء والأدوية والخيام للمشروع.

وكان "محمد علي" مؤسس مصر الحديثة هو أول من فكّر في إنشاء السكك الحديدية، وكان ذلك باقتراح من الإنجليز الذين حاولوا بناء علاقات جيدة مع مصر منذ لفتت الحملة الفرنسية عام 1798 أنظارهم إلى أهمية موقع مصر وتأثير هذا الموقع على إمبراطوريتهم في الهند إذا ما وقع تحت تأثير فرنسا، وكان المصريون قد طردوا الحملة الفرنسية عام 1801، وحاولت إنجلترا احتلال مصر فيما عُرف بحملة "فريزر" عام 1807، فتقرب الإنجليز كثيرا من "محمد علي" حاكم مصر تحت ظل الخلافة العثمانية، فاقترحوا عليه عام 1834 فكرة إنشاء سكك حديدية بمصر.. ولم يتم لاعتبارات الصراع بين فرنسا وإنجلترا.

وترجع قصة سكك حديد مصر كما يرويها "رشاد عبد السلام" مدير متحف الهيئة القومية لسكك حديد مصر قائلا: "إن إنجلترا عرضت على "محمد علي" إنشاء خط بين السويس والقاهرة، ووصلت إلى مصر بالفعل كميات من القضبان إلا أن فرنسا التي كانت تسعى لتنفيذ مشروع قناة السويس، أقنعت والي مصر بأن بريطانيا تهدف من وراء عرضها أن تفصل الدولة المصرية عن العالم الإسلامي؛ فتراجع عن الفكرة.

يقول عبد السلام: إن عام 1854 شهد تسيير أول قاطرة على الخط الحديدى فى مصر بين الإسكندرية ومدينة كفر الزيات فى منطقة الدلتا، وأشار إلى أن عربات القطار كانت تعبر مياه النيل فى المدن المختلفة بواسطة المعديات قبل إنشاء الجسور الحديدية على المجرى المائي.

وأضاف "كان القطار يقف عندما يصل إلى فرع النيل، وينزل الركاب ليعبروا فى معديات وينتظرون لمدة ساعة أو ساعتين بالمدينة يتناولون خلالها الطعام والشراب، ثم يركبون القطار بعد عبوره أيضا على المعديات".

وقال مدير متحف السكك الحديدية: "إن الخط الحديدي بين القاهرة والإسكندرية اكتمل عام 1856، وبعد عامين تم افتتاح خط بين العاصمة المصرية والسويس، ثم بدأ إنشاء خط القاهرة بورسعيد بعد عامين آخرين، ولم يشرع في إنشاء خط حديدي في صعيد مصر إلا في عام 1867.

يُذكر أنه تم إنشاء متحف الهيئة القومية لسكك حديد مصر فى عهد الملك فؤاد الأول عام 1933، ويقع بجوار محطة مصر، أو باب الحديد، والتي تغير اسمها بعد نقل تمثال رمسيس إليها إلى محطة رمسيس بالقاهرة، وبداخل هذا المتحف بانوراما شاملة عن السكك الحديدية من خلال المئات من المقتنيات الأصلية والوثائق والنماذج والصور.

ويضم المتحف الذي يتكون من طابقين قطار الخديوي سعيد الذي أهدته له فرنسا عام 1862، وهو عبارة عن قاطرة وصالون فخم ملحق به، وظل حكام مصر المتتابعون يستعملونه فى التنقل بين مصيفي المنتزه ورأس التين بالإسكندرية حتى عام 1898، ويقول مدير المتحف عن هذه القاطرة: "إنها سليمة تماما ويمكن تسييرها الآن، ولكنها تحتاج إلى الفحم!!.

ويحتوي الطابق الثاني على نموذج للقطار الخديوي الذي صنع في نهاية الخمسينيات من القرن التاسع عشر، وظل يستخدم حتى عام 1929، ويتكون القطار من ست عربات تم صنعها في دول مختلفة وتبدأ بعربة ضباط الحراسة خلف القاطرة مباشرة تليها عربة الأميرات ثم عربة الخديوي التي بُنيت في الولايات المتحدة عام 1858، وتحتوي على مقصورة لتحية الجماهير وعربتين للعائلة المالكة ثم عربة الوزراء.

يضم المتحف صورا نادرة لرجال يقفون على شريط القطار، ويقومون بتوجيه حركة القطارات باستخدام الأيدي والأعلام، وذلك قبل أن تُعرف وسائل التحكم الميكانيكية والكهربائية.

ويضم الطابق الثاني أيضا نماذج لمحطات مصرية عتيقة، وجسورا وتذاكر ترجع إلى بدايات القرن الماضي كانت قيمتها تقل عن نصف المليم الذي يساوي واحدا من ألف من الجنيه المصري.

كما توجد بالمتحف ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية كانت تمنح للوجهاء، وتسمح الذهبية منها لحاملها بركوب الدرجة الأولى في القطار مجانا، وباصطحاب خادم يركب في الدرجة الثالثة، بالإضافة إلى مقدار معقول من المتاع.

وبعد مرور 150 سنة.. تضاعفت شبكة السكك الحديدية المصرية، وزاد مجموع أطوالها حاليا عن تسعة آلاف كيلومتر يسير عليها 1300 قطار يوميا، كما يقول المهندس "مصطفى قناوي" مدير هيئة سكك حديد مصر لقطاع التشغيل.

ويضيف أن خبراء من أسبانيا يقومون بإعداد دراسة جدوى لإنشاء قطار "فائق السرعة" بين الإسكندرية وأسوان على ثلاث مراحل بسرعة تتجاوز 300 كيلومتر في الساعة، وأن هناك دراسات أخرى تتناول سبل الانتقال للقاطرات التي تعمل بالكهرباء بدلا من قاطرات الديزل الحالية، والتي حلت في الستينيات من القرن الماضي محل قاطرات الفحم والمازوت.

وشارك في الاحتفال بمرور قرن ونصف على سكة حديد مصر وزراء النقل العرب، وأعرب الدكتور "عاطف عبيد" رئيس الوزراء المصري عن أمله في تحقيق التكامل بين الدول العربية والأفريقية وربطها بقارة أوروبا بمسارات خطوط سكك حديدية.

وقال "إبراهيم الدميري" وزير النقل المصري خلال الاحتفالية: إنه يجري حاليا إنشاء الخط الحديدي الذي يمتد شرقا في سيناء ليربط مصر مع فلسطين والشام بسرعات تصل إلى 160 كيلومترا في الساعة؛ لتكون مصر قد نجحت فى ربط قارة أفريقيا بالأشقاء في العالم العربي والإسلامي بغرب آسيا.

محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة

هو أحد الشخصيات البارزة في التاريخ المصري في العصر الحديث، ويرجع إليه الفضل في بناء مصر الحديثة، حيث شهدت مصر في عصره نهضة في مختلف المجالات سواء الاقتصادية أو العسكرية.

ولد محمد علي عام 1769م الموافق عام 1183هـ من سلالة ألبانية ببلدة (قولة) أحد المواني الصغيرة الواقعة على الحدود بين ترافية ومقدونيا، توفى والده إبراهيم أغا و هو مازال في مرحلة الطفولة فأعتني به عمه طوسون إلا أنه توفي هو الأخر، فتبناه احد أصدقاء والده و عمل على رعايته و تربيته حتى بلغ الثامنة عشر فتعلم الفروسية و اللعب بالسيف، ألتحق بالخدمة العسكرية في الجيش ، و قام بخدمة حاكم قولة و أكتسب رضاه بذكائه و مهارته، و أكتسب الكثير من العادات و الآداب الفرنسية ، و عندما بلغ محمد على سن الثلاثين انضم للجيش مرة أخرى عندما بدأ الباب العالي في حشد جيوشه لمهاجمة الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت.


والي مصر

انتقل بعد ذلك محمد علي إلى مصر عام 1801م كمعاون لرئيس كتيبة قولة مع جيش (القبطان حسين باشا) الذي جاء لأجلاء الفرنسيين، و بقي في مصر بعد خروج الفرنسيين منها ونظراً لتميزه فقد رقي إلى عدة مناصب فأصبح نائب للسلطان العثماني ، ثم أصبح والياً على مصر في عام 1805م، حيث بدأ مهامه كوالي بالقضاء على المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة، كما قام بالقضاء على الإنجليز في معركة رشيد، وبالتالي حول مصر إلي حالة من الاستقرار السياسي تمهيداً للبدء في بنائها وتقوية مركزها بين الدول المختلفة، فالتفت إلي الإصلاح الداخلي وكانت البداية من خلال تأسيس أول جيش نظامي قوي ساعد في تدريبه الفرنسيين الذين تبقوا من الحملة الفرنسية.

قام محمد علي بعدد من الفتوحات الخارجية منها حربه ضد الوهابيين بالحجاز ونجد وضمهما لحكمه عام 1818، ثم اتجه لمحاربة السودانيين عام 1820م، كما قام بالاستيلاء علي الشام وانتصر علي العثمانيين عام 1833م، وكاد يستولي علي الآستانة العاصمة إلا أن روسيا وبريطانيا وفرنسا قاموا بحماية السلطان العثماني، ولم يبقى مع محمد علي سوي سوريا وجزيرة كريت وفي عام 1839م حارب السلطان لكنه هزم و أجبر علي التراجع في مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم أسطوله في نفارين. ففرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والاقتصار علي حكم مصر لتكون حكما ذاتيا يتولاه من بعده أكبر أولاده سنا .


إنجازاته

شهد عصر محمد علي العديد من الإنجازات والإصلاحات في مختلف المجالات حيث أنشأ العديد من المدارس و أرسل الكثير من البعثات لتلقي العلم في أوروبا، وأنشأ جريدة الوقائع المصرية، وأقام المصانع والمعامل لكي يستغني عن الدول الأجنبية في سد احتياجات الجيش والأسطول، كما قام بتقسيم الأراضي بحيث خصص كل منها لزراعة محصول معين ووزعها علي الفلاحين لزراعتها ورعايتها والاستفادة بغلتها نظير دفع الأموال الأميرية، و أدخل التعديلات في طرق الزراعة، و استعان بالآلات الحديثة، كما قام بإدخال عدد من الزراعات الجديدة مثل القطن وقصب السكر، وعمل علي إصلاح نظام الري، وأنشأ كثيراً من الترع والجسور والقناطر، وفي مجال التجارة أستغل موقع مصر المتميز وعني بالمواني وأنشأ الطرق لتسهيل انتقال التجارة.

و في المجال العسكري قام بأعداد قوي للجيش فجند المصريين فيه، وأنشأ المدرسة الحربية، ووضع النواة الأولي للبحرية، وأنشأ الأسطول المصري، هذا الأسطول الذي خاض عدد من الحروب الهامة و أنتصر فيها من أهمها حرب المورة، كما أنشأ دار الصناعة البحرية في الإسكندرية و التي يطلق عليها حالياً (الترسانة البحرية)، وذلك لتلبية احتياجات الأسطول المصري من السفن، كما أجري عدة إصلاحات إدارية بمصر ، فأنشأ مجلس الدواوين ، والديوان العالي وكان مقره القلعة ويرأسه الوالي، وله فروع في الحكومة، مثل ديوان المدارس، وديوان الحربية.


الوفاة

توفي محمد علي باشا في 13 رمضان 1265 - 2 أغسطس 1848، بعد أن تمكن من نقل مصر نقله حضارية هامة مازال التاريخ يتذكرها حتى الآن.


http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=741&pg=67

المدينة المنورة في عهد محمد علي باشا


محمد علي باشا يعاود الكرة
لم يتزعزع محمد علي لهذه الهزيمة، وعدها مجرد معركة قد خسرها، ولذلك أعد حملة قوية أكبر من السابقة، وصمم على القضاء على السعوديين بكل وسيلة، فأمر قائده (بونابرته الخازندار) بجمع القبائل حوله، والاستعانة بهم، وإغداق الأموال عليهم، واستطاع بونابرته استمالة عدد منها بمساعدة الشريف غالب، وعلم الأمير سعود بنوايا محمد علي باشا، فتحركت القوات السعودية بقيادة ابنه عبد الله وقائده عثمان المضايفي إلى الحجاز، فعسكروا في وادي فاطمة قرب مكة متوقعين اتجاه الجيش الزاحف إليهم، ولكن بونابرته اتجه إلى المدينة بجموعه الغفيرة، ومدافعه القوية وحاصرها حصاراً شديداً لم يكن فيها سوى سبعة آلاف مرابط دافعوا عنها بضراوة واشتد الحصار، وقصفت المدينة بالمدافع وحصل قتال عند الأسوار وبعد عشرة أيام قرر طوسون باشا وقادته هدم جزء من السور ودخول المدينة منه فحفر نفقاً تحت السور وشحنه بالمتفجرات وتم تفجيره واقتحم المدينة من الثغرة الواسعة ودار قتال عنيف مع المرابطين الذين استبسلوا استبسالاً عظيماً وسقط منهم الكثير وتحصن الباقون وعددهم حوالي ثلاثة آلاف مرابط في القلعة وظلوا صامدين فيها عدة أيام، ثم اتفقوا مع طوسون باشا على الانسحاب وقد خلفت المعركة أربعة آلاف شهيد من المرابطين، وقبض طوسون ورجاله على أعيان المدينة، وعلى رأسهم حسن قلعي الذي أرسل إلى مصر مقيداً وأمير المدينة مسعود بن مضيان الذي أرسل إلى استنبول حيث قتل هناك وانتهى بذلك عهد الدولة السعودية الأولى في المدينة المنورة.

مرحلة محمد علي باشا
المدينة في عهد محمد علي باشا
(( 1226 ـ 1256 هـ ))
بدأت المدينة عهداً جديداً تتبع فيه سلطة محمد علي باشا، وقد أصبح ابنه طوسون أميراً عليها، فأعاد تنظيم الإدارات، ورمم السور والقلعة، وعادت الحياة إلى المدينة كما كانت من قبل، وعاد الأغوات إلى المسجد النبوي، وعادت القباب والبدع والعادات والتقاليد المستحدثة في العصور المتأخرة مرة ثانية، ثم جاء محمد علي إلى الحجاز عام 1229 هـ، وشدد الحملات على السعوديين وقبض على تجارة الحبوب واحتكرها لنفسه مما أثر على الحياة الاقتصادية في المدينة والحجاز كله فارتفعت الأسعار وضاق الناس وأصبحت المدينة مركز قيادة تخرج منها الحملات إلى القصيم ونجد لقتال السعوديين، وفي رجب عام 1230 هـ عقد طوسون باشا صلحاً مع عبد الله بن سعود لوقف القتال وتأمين الطرق للحجاج والتجار فنعمت المدينة بهذا الصلح وكثر عدد الزائرين وعادت التجارة إليها ثانية.
ألغى طوسون باشا تسمية الإمارة واستعاض عنها باسم المحافظة، وأنشأ مجلس شورى للمحافظة يضم كبار الموظفين والأعيان، وقد استتب الأمن في المدينة وبعدها عاد طوسون باشا إلى مصر تاركاً فيها قيادة الجيش والحامية الكبيرة لضباطه.
وفي عام 1231 هـ وصل إبراهيم باشا على رأس حملة كبيرة مجهزة بجميع الأسلحة والعسكريين الفرنسيين ليضم نجداً، ويقضي على الدولة السعودية، وصل المدينة وظل فيها إلى بداية عام 1232هـ وعمل على تجميع القبائل حوله واستمالتهم بالأموال وتجنيدهم وأصبحت المدينة مركز قيادة ومؤنة للجيش وتحرك بالجيش إلى الحناكية وانتصر على السعوديين وما لبث أن استسلم عبد الله بن سعود في جمادى الأولى 1233هـ حيث أرسله إبراهيم باشا وعدداً من أفراد عائلته إلى مصر ومنها إلى استنبول حيث قتل فيها، وبدأ إبراهيم باشا بإعادة القباب إلى البقيع ورمم المسجد النبوي وأنشأ (تكية) كبيرة لتوزيع الأموال والطعام على الفقراء ثم رحل عنها بعد أن عين حسن بك محافظاً للمدينة وعاشت المدينة زمناً في أمن وهدوء وبلغ من قوة جيشها أن القبائل كانت تستعين به على مهاجمة القبائل المعتدية عليها.
وفي عام 1254هـ عادت بعض القبائل إلى التمرد وقطع طرق التجارة فعاد الخوف والصراع إلى المدينة فعاشت فترة من الصراع الدامي فقطعت التجارة وارتفعت الأسعار وأصبحت القبائل تهدد المدينة ولكن التهديد لم يبلغ أسوارها.
وتكالبت الدول الأوربية للقضاء على قوة محمد علي باشا فعقدت معاهدة عام 1256هـ تنص على حصر سيادة محمد علي في مصر ومنحه ولايتها بصورة وراثية وأراد محمد علي أن يسحب قواته بسلام فبدأ بسحبها من المدينة المنورة ومهد لها الطريق والسفن التي تحملها إلى مصر وساعده على ذلك الشريف محمد بن عون حيث قام بضرب القبائل وتسكينها ليؤمن الطريق لقوات محمد علي ومكث في المدينة عدة أشهر لتأمين رحيل القوات المصرية وجاءت قوات عثمانية فتسلمت المدينة وأعادتها إلى سلطة الدولة العثمانية وانتهى بذلك عهد محمد علي باشا.
------------------
للتوسع:
التاريخ الشامل ج2/464-481

الاحتفال بالأبطال من مصر إلى كوسوفو


محمد م. الأرناؤوط

في الايام الاخيرة من عام 2005 قام الرئيس المصري حسني مبارك بافتتاح " قصر محمد علي باشا الكبير" في ضاحية شبرا المتاخمة للقاهرة, وهو ما اعتبر" خطوة هي الاكبر في طريق المصالحة مع الحقبة الاكثر حساسية في التاريخ الحديث للبلاد"، ألا وهي حقبة محمد علي وخلفائه التي استمرت حوالي قرنا ونصف(1805-1952). ولم تقصر الحكومة في الانفاق على ترميم القصر للتعبير عن رغبتها بترميم التاريخ الحديث لمصر حيث وصلت التكاليف أخيرا الى خمسين مليون جنيه.

ويبدو أن التعامل مع هذا القصر من قبل السلطات كان يعكس التعامل مع تاريخ الفترة التي يمثلها. فقد كان هذا القصر النادر في قيمته الفنية والتاريخية قد حول الى وزارة الزراعة لتستخدمه مخزنا للقمح, وأقيمت حوله اضافات كثيرة طمست الكثير من معالمه. وقد جرى هذا في الوقت الذي كانت تطمس فيه الكثير من الحقائق التاريخية في الكتب المدرسية والجامعية حول فترة محمد علي الذي كان يوصف بـ" مؤسس مصر الحديثة"، وهو ما يثير من جديد تعاطي الانظمة مع التاريخ والدافع الى

" اعادة كتابة التاريخ " من فترة الى أخرى.

ولكن ما جرى في الايام الاخيرة لعام 2005 انما هو حلقة في سلسلة من النشاطات التي غطت كل سنة 2005 بمناسبة الذكرى الـ 200 لوصول محمد علي الى الحكم في مصر. فقد بدأت هذه السلسلة في معرض القاهرة للكتاب خلال الايام الاولى لـ 2005 وامتدت عبر محاضرات وندوات واصدارات خاصة طيلة العام 2005. وفي هذا الاطار كانت الحلقة المركزية تتمثل في الندوة الدولية التي أقيمت في القاهرة من قبل المجلس الاعلى للثقافة في تشرين الثاني 2005. وفي الواقع كان الافتتاح المهيب للندوة يحفل بالكثير من الدلالات سواء بالنسبة للماضي والحاضر والمستقبل, وذلك بالمقارنة مع الندوة التي أقيمت في القاهرة خلال 9-11آذار/ مارس 1999 بمناسبة الذكرى الـ150 لوفاة محمد علي.

في 1999 كانت بادرة محمودة للجمعية المصرية للدراسات التاريخية أن تقيم ندوة دولية لأول مرة في مصر عن محمد علي وأن تنشر أوراقها في مجلد ضخم بإشراف الدكتور رؤوف عباس يعيد الاعتبار إلى ما قام به محمد علي لأجل مصر بعد عقود من التهميش والتركيز على السلبيات فقط، التي أصبحت تطول كل السلالة العلوية التي حكمت مصر بعد محمد علي(1848-1952) كي يخدم ذلك النظام الجديد الذي تولى الحكم في مصر.

ولكن الوضع كان مختلفاً في 2005، حيث لم يعد "الاحتفاء" يقتصر على جلسات مغلقة كما في 1999 بل كان بطابع رسمي يتصاعد طيلة السنة المنصرمة والتي حضرها وزير الثقافة الفنان محمود حسني وألقى فيها كلمة حفلت بالدلالات الكثيرة عن محمد علي. ولم يقتصر الحضور في الافتتاح على الأكاديميين والضيوف الرسميين(بمن فيهم سفراء الدول المحيطة بمسقط رأس محمد علي: ألبانيا واليونان ومكدونيا) بل حضر أيضاً المثقفون المصريون. وقد كان لدخول الفنان يحيى الفخراني"هيصة" لا تقل عن"هيصة" دخول وزير الثقافة. وقد تبين لاحقاً أن الفخراني يعد لفيلم عن محمد علي وجاء الندوة ليستشرف هناك من يساعده على إنجاز مادة الفيلم، الذي أسند إخراجه إلى المخرج السوري حاتم علي، وكأنه بهذا كان"يترجم" ما يقال في الندوة عن التكامل المصري السوري في الأوراق المتعلقة بفتح محمد علي بلاد الشام وضمها إلى حكمه خلال 1831-1840.

الاهتمام الكبير الرسمي وغير الرسمي بمحمد علي لا يمكن عزله عما كان يعنيه محمد علي: ضرورة الإصلاح الجذري في وضع راكد. ففي الفترة الأخيرة هناك من يركز على ما قام به محمد علي من إنشاء أول دولة في العام الإسلامي ذات مرجعية مدنية لا دينية، وعلى ما أنجزه من إصلاحات في التعليم والاقتصاد والجيش ليجعل من مصر قوة إقليمية في المنطقة إلى الحد الذي كانت فيه اليابان ترسل عدة وفود للاطلاع على مظاهر وأسباب التقدم في مصر. ومن هنا لا يعد من المستغرب أن نسمع في إحدى الجلسات من يطالب في المنصة من الزملاء المصريين بمحمد علي آخر يخلص مصر من"المماليك الجدد" ويعيد لمصر دورها الرائد في المنطقة.

في حفل الافتتاح كان من اللافت للنظر حضور سفراء الدول المحيطة بمسقط رأس محمد علي كافالا Kavala أو"قوله" كما اشتهرت في المراجع العربية التي كانت ضمن مكدونيا خلال الحكم العثماني للبلقان. فقد كان هناك سفير ألبانيا، باعتبار أن الكل يجمع على ألبانية محمد علي، كما حضر سفير "جمهورية مكدونيا" الذي تصادف أنه ألباني أيضا، وسفير اليونان الذي تضم الآن البلدة التي ولد ونشأ فيها محمد علي(قوله).

ولكن الملفت للنظر أيضاً كان غياب أية مشاركة أكاديمية من ألبانيا على عكس المشاركة القوية من كوسوفو التي غطت جانباً لا بأس به من الخلفية الألبانية لمحمد علي. ويبدو أن الزملاء في ألبانيا، الذين لم يرسلوا أي اعتذار، كانوا منشغلين باحتفالية أخرى ألا وهي الذكري الـ600 لولادة البطل الأسطوري جورج كاستريوتي المشهور باسم إسكندر بك، حيث إن لذلك دلالته الكبيرة بالنسبة للسياق الثقافي والسياسي المتقد في ألبانيا الآن. فمحمد علي لا يعني شيئاً إلى ألبانيا الآن بينما جورج/إسكندر يعني ذلك"البطل" الذي اعتنق الإسلام ثم ارتد عنه ليحارب الدولة العثمانية كي"ينقذ" الغرب والحضارة الغربية من"الخطر الإسلامي". ومن هنا لا يعد من المستغرب أن يطرح آنذاك في الكونغرس الأميركي مشروع قرار(مدعوم من اللوبي الالباني هناك) يشيد بجورج كاستريوتي في الذكرى الـ600 لولادته ويدعو إلى"مكافأة" الالبان على دورهم في"إنقاذ" الحضارة الغربية من"الخطر العثماني" وذلك بتسريع قبولهم في الغرب(الاتحاد الأوروبي والناتو).

ومن هنا فإن الاحتفال بمحمد علي استمر بهذا الزخم في كوسوفو وليس في ألبانيا. ففي الأسبوع اللاحق لندوة القاهرة نظمت أكاديمية العلوم والفنون في كوسوفو التي تعد أعلى جهة علمية وثقافية احتفالية عن محمد علي كانت لها تغطية كبيرة في وسائل الإعلام، كما أن معهد التاريخ وكلية الدراسات الإسلامية في بريشتينا عقدا ندوة علمية في 5 كانون الأول/ديسمبر بمشاركة باحثين من مصر والاردن، كما وأعد في كوسوفو أول فيلم وثائقي عن محمد علي كي يعرض في عدة محطات تلفزيونية.

ان هذا الاحتفاء بمحمد علي في كوسوفو، وليس في ألبانيا، ليس بمستغرب. فعندما كانت ألبانيا في عزلة عن العالم وعن تاريخها أيضاً، حيث إن"تاريخ ألبانيا" الرسمي كان يذكر محمد علي بسطرين دون أن يشير إلى ألبانيته، كانت كوسوفو هي التي تحتضن الاهتمام الألباني بمحمد علي وتنشر أولى الدراسات عنه في النصف الثاني للقرن العشرين. أما الآن فالاحتفاء بمحمد علي في كوسوفو له دلالته الكبيرة، حيث إن كوسوفو تعيش منذ 1999 حالة الدولة الموازية لألبانيا والقادرة على القيام بما تقصر عنه أحياناً"الدولة الأم" التي لم تعد معنية بالشرق في السنوات الاخيرة لاعتبارات لا مجال للخوض فيها.

•أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت

الغد الاردنية : الأربعاء 29 تشرين أول 2008م
01 ذو القعدة 1429 هـ

http://www.alghad.jo/?section=12&MaxDate=2006-02-18

محمد علي باشا - باني مصر الحديثة


محمد علي باشا 1769 - 1849

باني مصر الحديثة وحاكمها ما بين 1805 - 1848. بداية حكمه كانت مرحلة حرجة في تاريخ مصر خلال القرن التاسع عشر حيث نقلها من عصور التردي إلى أن أصبحت دولة قوية يعتد بها.
ولد في مدينة قولة الساحلية في جنوب مقدونيا عام 1769 لعائلة ألبانية. وكان أبوه إبراهيم أغا رئيس الحرس المنوط بخفارة الطويف في البلدة وكان له سبعة عشر ولداً لم يعش منهم سوى محمد علي الذي مات عنه أبوه وهو صغير السن، ثم لم تلبث أمه أن ماتت فصار يتيم الأبوين وهو في الرابعة عشرة من عمره فكفله عمه طوسون الذي مات أيضاً فكفله الشوربجي صديق والده الذي أدرجه في سلك الجندية فأبدى شجاعة وبسالة وحسن نظير وتصرف، فقربه الحاكم وزوجه من أمينة هانم وهي امرأة غنية وجميلة كانت بمثابة طالع السعد عليه، وأنجبت له إبراهيم وطوسون وإسماعيل (وهي أسماء أبوه وعمه وراعيه) وأنجبت له أيضاً بنتين. وحين قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلى مصر لانتزاعها من أيدي الفرنسيين كان هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية والتي كان قوامها ثلاثمائة جندي، وكان رئيس الكتيبة هو ابن حاكم قولة الذي لم يكد يصل إلى مصر حتي قرر أن يعود إلى بلده فأصبح هو قائد الكتيبة.

وظل في مصر يترقى في مواقعه العسكرية، وظل يواصل خططه للتخلص من خصومه إلى أن تخلص من خورشيد باشا وأوقع بالمماليك حتى خلا له كرسي الحكم بفضل الدعم الشعبي الذي قاده عمر مكرم.

ولايته
بعد أن إختاره المصريون ليكون والياً على مصر في 17 مايو 1805 قضى علي المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة وكانوا يكونون مراكز قوى ومصدر قلاقل سياسية مما جعل البلد في فوضي. كما قضى علي الإنجليز في معركة رشيد وأصبحت مصر تتسم بالإستقرار السياسي لأول مرة تحت ظلال الخلافة العثمانية. وقد بدأ بتكوين أول جيش نظامي في مصر الحديثة، وكان بداية للعسكرية المصرية أول مدرسة حربية في أسوان في جنوب مصر بعيد عن أنظار الدول على كولونين سيف الفرنساوي في العصر الحديث. ومما ساعده في تكوين هذا الجيش أن أشرف عليه الخبراء الفرنسيون بعد ما حل الجيش الفرنسي في أعقاب هزيمة نابليون في واترلو بروسيا.

وقد حارب الحجازيين والنجديين وضم الحجاز ونجد لحكمه سنة 1818. وإتجه لمحاربة السودانيين عام 1820 والقضاء علي فلول المماليك في النوبة. كما ساعد السلطان العثماني في القضاء على الثورة في اليونان فيما يعرف بحرب المورة، إلا ان وقوف الدول الأوروبية إلى جانب الثوار في اليونان أدى إلى تحطم الأسطول المصري فعقد اتفاقية لوقف القتال مما أغضب السلطان العثماني، وكان قد إنصاع لأمر السلطان العثماني ودخل هذه الحرب أملا في أن يعطيه السلطان العثماني بلاد الشام مكافأة له إلا أن السلطان العثماني خيب آماله بإعطاءه جزيرة كريت والتى رآها تعويضاً ضئيلاً بالنسبة لخسارته في حرب المورة، ذلك بالاضافة الي بعد الجزيرة عن مركز حكمه في مصر وميل أهلها الدائم للثورة، وقد عرض على السلطان العثماني إعطاءه حكم الشام مقابل دفعه لمبلغ من المال إلا أن السلطان رفض لمعرفته بطموحاته وخطورته على حكمه. وإستغل ظاهرة فرار الفلاحين المصريين إلى الشام هرباً من الضرائب و طلب من أحمد باشا الجزار والي عكا إعادة الهاربين إليه و حين رفض والي عكا إعادتهم بأعتبارهم رعايا للدولة العثمانية ومن حقهم الذهاب إلى أى مكان استغل ذلك وقام بمهاجمة عكا وتمكن من فتحها وإستولى علي الشام وانتصر علي العثمانيين عام 1833 وكاد أن يستولي على الآستانة العاصمة إلا أن روسيا وبريطانيا وفرنسا حموا السلطان العثماني فانسحب عنوة ولم يبقى معه سوي سوريا وجزيرة كريت. وفي سنة 1839 حارب السلطان لكنهم أجبروه علي التراجع في مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم إسطوله في نفارين. وفرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والإقتصار علي حكم مصر لتكون حكماً ذاتياً يتولاه من بعده أكبر أولاده سنا.

سياساته
تمكن من أن يبني من مصر دولة عصرية على النسق الأوروبي، واستعان في مشروعاته الإقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين ومنهم بصفة خاصة السان سيمونيون الفرنسيون الذين أمضوا في مصر بضع سنوات في الثلاثينات من القرن التاسع عشر وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة على العلم الحديث. وكانت أهم دعائم دولة محمد علي العصرية سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة. فقد آمن بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدم ويزودها بكل التقنيات العصرية وأن يقيم إدارة فعالة واقتصاد مزدهر يدعمها ويحميها إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي. وهذا التعليم العصري يجب أن يقتبس من أوروبا، وبالفعل فإنه قام منذ 1809 بإرسال بعثات تعليمية إلى عدة مدن إيطالية مثل ليفورنو، ميلانو، فلورنسا، وروما وذلك لدراسة العلوم العسكرية وطرق بناء السفن والطباعة. وأتبعها ببعثات لفرنسا وكان أشهرها بعثة 1826 التي تميز فيها إمامها المفكر والأديب رفاعة رافع الطهطاوي الذي كان له دوره الكبير في مسيرة الحياة الفكرية والتعليمية في مصر.

وكانت أسرة محمد علي باشا بانفتاحها وتنورها سبب هام لإزدهار مصر وريادتها للعالم العربي منذ ذلك الوقت وقد أنهت تحكم المماليك الشراكسة لمصر واقتصادها.

إنجازاته
تعتبر إنجازاته تفوق كل إنجازات الرومان والروم البيزنطيين والمماليك والعثمانيين وذلك لأنه كان طموحا بمصر ومحدثا لها ومحققا لوحدتها الكيانية وجاعلاً المصريين بشتى طوائفهم مشاركين في تحديثها والنهوض بها معتمداً علي الخبراء الفرنسيين. كما إنه كان واقعياً عندما أرسل البعثات لفرنسا وإستعان بها وبخبراتها التي إكتسبتها من حروب نابليون. وهو لم يغلق أبواب مصر بل فتحها علي مصراعيها لكل وافد. وإنفتح على العالم ليجلب خبراته لتطوير مصر. ولأول مرة أصبح التعليم منهجيا. فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش. وأوجد زراعات جديدة كالقطن وبني المصانع وإعتنى بالري وشيد القناطر الخيرية على النيل عند فمي فرعي دمياط ورشيد.

وعندما استطاع القضاء على المماليك ربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة تصنيعية وزراعية موسعة. وضبط المعاملات المالية والتجارية والإدارية والزراعية لأول مرة في تاريخ مصر. وكان جهاز الإدارة أيام محمد علي يهتم أولا بالسخرة وتحصيل الأموال الأميرية وتعقب المتهربين من الضرائب وإلحاق العقاب الرادع بهم. وكانت الأعمال المالية يتولاها الأرمن والصيارفة كانوا من الأقباط والكتبة من الترك وذلك لأن الرسائل كانت بالتركية. وكان حكام الأقاليم وأعوانهم يحتكرون حق إلتزام الأطيان الزراعية وحقوق إمتيازات وسائل النقل فكانوا يمتلكون مراكب النقل الجماعي في النيل والترع يما فيها المعديات، وكان حكام الأقاليم يعيشون في قصور ولديهم خدم عبيد وكانوا يتلقون الرشاوي لتعيين المشايخ في البنادر والقري، وكان العبيد الرقيق في قصورهم يعاملون برأفة ورقة، وكانوا يحررونهم من الرق. ومنهم من أمتلك الأبعاديات وتولى مناصب عليا بالدولة. وكان يطلق عليهم الأغوات المعاتيق. وكانوا بلا عائلات ينتسبون إليها فكانوا يسمون محمد أغا أو عبد الله أغا وأصبحوا يشكلون مجتمع الصفوة الأرستقراطية ويشاركون فيه الأتراك، وفي قصورهم وبيوتهم كانوا يقتنون العبيد والأسلحة ومنهم من كانوا حكاماً للأقاليم. وكانوا مع الأعيان المصريين يتقاسمون معهم المنافع المتبادلة ومعظمهم كانوا عاطلين بلا عمل وكثيرون منهم كانوا يتقاضون معاشات من الدولة أو يحصلون على أموال من أطيان الإلتزام وكانوا يعيشون عيشة مرفهة وسط أغلبية محدودة أو معدومة الدخل.

وكان محمد علي ينظر لمصر على أنها من أملاكة، فلقد أصدر مرسوما لأحد حكام الأقليم جاء فيه "البلاد الحاصل فيها تأخير في دفع ماعليها من البقايا أو الأموال يضبط مشايخها ويرسلون للومان (السجن) والتنبيه على النظار بذلك، وليكن معلوماً لكم ولهم أن مالي لايضيع منه شيء بل آخذه من عيونهم".

وكان التجار الأجانب ولاسيما اليونانيين والشوام واليهود يحتكرون المحاصيل ويمارسون التجارة بمصر، ويشاركون الفلاحين في مواشيهم. وكان مشايخ الناحية يعاونونهم على عقد مثل هذه الصفقات وضمان الفلاحين. وكانت عقود المشاركة بين التجار والفلاحين توثق في المحاكم الشرعية. وكان الصيارفة في كل ناحية يعملون لحساب هؤلاء التجار لتأمين حقوقهم لدي الفلاحين، ولهذا كان التجار يضمنون الصيارفة عند تعيينهم لدى السلطات. ولا سيما في المناطق التي كانوا يتعاملون فيها مع الفلاحين، وكان التجار يقرضون الفلاحين الأموال قبل جني المحاصيل مقابل إحتكارهم لشراء محاصيلهم. وكان الفلاحون يسددون ديونهم من هذه المحاصيل. وكان التجار ليس لهم حق ممارسة التجارة إلا بإذن من الحكومة للحصول على حق هذا الإمتياز لمدة عام، يسدد عنه الأموال التي تقدرها السلطات وتدفع مقدماً. لهذا كانت الدولة تحتكر التجارة بشرائها المحاصيل من الفلاجين أو بإعطاء الإمتيازات للتجار. وكان مشايخ أي ناحبة متعهدين بتوريد الغلال والحبوب كالسمن والزيوت والعسل والزبد لشون الحكومة لتصديرها أو إمداد القاهرة والإسكندرية بها أو توريدها للجيش المصري، ولهذا كان الفلاحون سجناء قراهم لايغادرونها أو يسافرون إلا بإذن كتابي من الحكومة. وكان الفلاحون يهربون من السخرة في مشروعات محمد علي أو من الضرائب المجحفة أو من الجهادية، وكان من بين الفارين المشايخ بالقري لأنهم كانوا غير قادرين على تسديد مديونية الحكومة. ورغم وعود محمد علي إلا أن الآلاف فروا للقري المجاورة أو لاذوا لدى العربان البدو أو بالمدن الكبرى، وهذا ماجعل محمد علي يصدر مرسوماً جاء فيه "بأن علي المتسحبين (الفارين أو المتسربين) العودة لقراهم في شهر رمضان 1251 هـ - 1835 وإلا أعدموا بعدها بالصلب كل علي باب داره أو دواره". وفي سنة 1845 أصدر ديوان المالية لائحة الأنفار المتسحبين. هددت فيها مشايخ البلاد بالقري لتهاونهم وأمرت جهات الضبطية بضبطهم ومن يتقاعس عن ضبطهم سيعاقب عقابا جسيما.

وتبني محمد علي السياسة التصنيعية لكثير من الصناعات، فقد أقام مصانع للنسيج ومعاصر الزيوت ومصانع الحصير. وكانت هذه الصناعة منتشرة في القرى إلا أن محمد علي إحتكرها وقضي على هذه الصناعات الصغيرة ضمن سياسة الإحتكار وقتها، وأصبح العمال يعملون في مصانع الباشا. لكن الحكومة كانت تشتري غزل الكتان من الأهالي، وكانت هذه المصانع الجديدة يتولى إدارتها يهود وأقباط وأرمن. ثم لجأ محمد علي لإعطاء حق امتياز إدارة هذه المصانع للشوام، لكن كانت المنسوجات تباع في وكالاته ( كالقطاع العام حاليا ). وكان الفلاحون يعملون عنوة وبالسخرة في هذه المصانع، فكانوا يفرون وبقبض عليهم الشرطة ويعيدونهم للمصانع ثانية. وكانوا يحجزونهم في سجون داخل المصانع حتي لايفروا. وكانت أجورهم متدنية للغاية وتخصم منها الضرائب، كما كانت تجند الفتيات ليعملن في هذه المصانع وكن يهربن أيضا.

وكانت السياسة العامة لحكومة محمد علي تطبيق سياسة الإحتكار وكان على الفلاحين تقديم محاصيلهم ومصنوعاتهم بالكامل لشون الحكومة بكل ناحية وبالأسعار التي تحددها الحكومة. وكل شونه كان لها ناظر وصراف و قباني ليزن القطن وكيال ليكيل القمح، وكانت تنقل هذه المحاصيل لمينائي الإسكندرية وبولاق بالقاهرة. وكانت الجمال تحملها من الشون للموردات بالنيل لتحملها المراكب لبولاق حيث كانت تنقل لمخازن الجهادية أو للإسكندرية لتصديرها للخارج، وكان يترك جزء منها للتجار والمتسببين (البائعين ) بقدر حاجاتهم. وكانت نظارة الجهادية تحدد حصتها من العدس والفريك والوقود والسمن والزيوت لزوم العساكر في مصر والشام وأفريقيا وكانت توضع بالمخازن بالقلعة، وكان مخزنجية الشون الجهادية يرسلون الزيت والسمن في بلاليص والقمح في أجولة.

وكان ضمن سياسته لاحتكار الزراعة تحديد نوع زراعة المحاصيل والأقاليم التي تزرعها. وكان قد جلب زراعة القطن والسمسم. كما كان يحدد أسعار شراء المحاصيل التي كان ملتزما بها الفلاحون. وكان التجار ملتزمين أيضا بأسعار بيعها. ومن كان يخالف التسعيرة يسجن مؤبد أو يعدم. وكان قد أرسل لحكام الأقاليم أمراً جاء فيه "من الآن فصاعدا من تجاسر علي زيادة الأسعارعليكم حالا تربطوه وترسلوه لنا لأجل مجازاته بالإعدام لعدم تعطيل أسباب عباد الله". وكانت الدولة تختم الأقمشة حتي لايقوم آخرون بنسجها سراً. وكان البصاصون يجوبون الأسواق للتفتيش وضبط المخالفين. وكان محمد علي يتلاعب في الغلال وكان يصدرها لأوروبا لتحقيق دخلاً أعلى. وكان يخفض كمياتها في مصر والآستانة رغم الحظر الذي فرضه عليه السلطان بعدم خروج الغلال خارج الإمبراطورية.

تنازله و وفاته
تنازل عن العرش في سبتمبر عام 1848 لأنه قد أصيب بالخرف. ومات بالإسكندرية في أغسطس 1849 ودفن بجامعه بالقلعة بالقاهرة.

زوجته ومستولداته وأبنائه
كانت له زوجتان وعدد من المستولدات


الزوجات وأبنائهم
أمينة هانم بنت علي باشا الشهير بمصرلي من أهالي قرية نصرتلي التابعة لدراما، أنجب منها :
الأمير إبراهيم باشا. (1789 - 1848)
الأمير طوسون باشا.
الأمير إسماعيل كامل باشا.
الأميرة توحيدة هانم.
الأميرة نازلي هانم.
ماه دوران هانم (أوقمش قادين)، ولم يرزق منها بأبناء

مستولداته وأبنائهم
أم نعمان
أنجب منها : الأمير نعمان بك.
عين حياة قادين
أنجب منها : والي مصر محمد سعيد باشا. (1822 - 1863)
ممتاز قادين
أنجب منها : الأمير حسين بك.
ماهوش قادين
أنجب منها : الأمير علي صديق بك.
نام شاز قادين
أنجب منها : الأمير محمد عبد الحليم.
زيبة خديجة قادين
أنجب منها : الأمير محمد علي باشا الصغير.
شمس صفا قادين
أنجب منها : الأميرة فاطمة هانم - الأميرة رقية هانم.
شمع نور قادين
أنجب منها : الأميرة زينب هانم
نايلة قادين
كلفدان قادين
قمر قادين

المصادر
مقال 200 عام وبداية عصر محمد علي لأحمد محمد عوف.
د. أحمد طربين: تاريخ المشرق العربي المعاصر ، الطبعة الخامسة، جامعة دمشق.
إصلاح أم تحديث؟ مصر في عهد محمد علي ـ تحرير رؤوف عباس. القاهرة: المجلس الأعلی للثقافة, 2000.

Counter