Wednesday, October 29, 2008

المدينة المنورة في عهد محمد علي باشا


محمد علي باشا يعاود الكرة
لم يتزعزع محمد علي لهذه الهزيمة، وعدها مجرد معركة قد خسرها، ولذلك أعد حملة قوية أكبر من السابقة، وصمم على القضاء على السعوديين بكل وسيلة، فأمر قائده (بونابرته الخازندار) بجمع القبائل حوله، والاستعانة بهم، وإغداق الأموال عليهم، واستطاع بونابرته استمالة عدد منها بمساعدة الشريف غالب، وعلم الأمير سعود بنوايا محمد علي باشا، فتحركت القوات السعودية بقيادة ابنه عبد الله وقائده عثمان المضايفي إلى الحجاز، فعسكروا في وادي فاطمة قرب مكة متوقعين اتجاه الجيش الزاحف إليهم، ولكن بونابرته اتجه إلى المدينة بجموعه الغفيرة، ومدافعه القوية وحاصرها حصاراً شديداً لم يكن فيها سوى سبعة آلاف مرابط دافعوا عنها بضراوة واشتد الحصار، وقصفت المدينة بالمدافع وحصل قتال عند الأسوار وبعد عشرة أيام قرر طوسون باشا وقادته هدم جزء من السور ودخول المدينة منه فحفر نفقاً تحت السور وشحنه بالمتفجرات وتم تفجيره واقتحم المدينة من الثغرة الواسعة ودار قتال عنيف مع المرابطين الذين استبسلوا استبسالاً عظيماً وسقط منهم الكثير وتحصن الباقون وعددهم حوالي ثلاثة آلاف مرابط في القلعة وظلوا صامدين فيها عدة أيام، ثم اتفقوا مع طوسون باشا على الانسحاب وقد خلفت المعركة أربعة آلاف شهيد من المرابطين، وقبض طوسون ورجاله على أعيان المدينة، وعلى رأسهم حسن قلعي الذي أرسل إلى مصر مقيداً وأمير المدينة مسعود بن مضيان الذي أرسل إلى استنبول حيث قتل هناك وانتهى بذلك عهد الدولة السعودية الأولى في المدينة المنورة.

مرحلة محمد علي باشا
المدينة في عهد محمد علي باشا
(( 1226 ـ 1256 هـ ))
بدأت المدينة عهداً جديداً تتبع فيه سلطة محمد علي باشا، وقد أصبح ابنه طوسون أميراً عليها، فأعاد تنظيم الإدارات، ورمم السور والقلعة، وعادت الحياة إلى المدينة كما كانت من قبل، وعاد الأغوات إلى المسجد النبوي، وعادت القباب والبدع والعادات والتقاليد المستحدثة في العصور المتأخرة مرة ثانية، ثم جاء محمد علي إلى الحجاز عام 1229 هـ، وشدد الحملات على السعوديين وقبض على تجارة الحبوب واحتكرها لنفسه مما أثر على الحياة الاقتصادية في المدينة والحجاز كله فارتفعت الأسعار وضاق الناس وأصبحت المدينة مركز قيادة تخرج منها الحملات إلى القصيم ونجد لقتال السعوديين، وفي رجب عام 1230 هـ عقد طوسون باشا صلحاً مع عبد الله بن سعود لوقف القتال وتأمين الطرق للحجاج والتجار فنعمت المدينة بهذا الصلح وكثر عدد الزائرين وعادت التجارة إليها ثانية.
ألغى طوسون باشا تسمية الإمارة واستعاض عنها باسم المحافظة، وأنشأ مجلس شورى للمحافظة يضم كبار الموظفين والأعيان، وقد استتب الأمن في المدينة وبعدها عاد طوسون باشا إلى مصر تاركاً فيها قيادة الجيش والحامية الكبيرة لضباطه.
وفي عام 1231 هـ وصل إبراهيم باشا على رأس حملة كبيرة مجهزة بجميع الأسلحة والعسكريين الفرنسيين ليضم نجداً، ويقضي على الدولة السعودية، وصل المدينة وظل فيها إلى بداية عام 1232هـ وعمل على تجميع القبائل حوله واستمالتهم بالأموال وتجنيدهم وأصبحت المدينة مركز قيادة ومؤنة للجيش وتحرك بالجيش إلى الحناكية وانتصر على السعوديين وما لبث أن استسلم عبد الله بن سعود في جمادى الأولى 1233هـ حيث أرسله إبراهيم باشا وعدداً من أفراد عائلته إلى مصر ومنها إلى استنبول حيث قتل فيها، وبدأ إبراهيم باشا بإعادة القباب إلى البقيع ورمم المسجد النبوي وأنشأ (تكية) كبيرة لتوزيع الأموال والطعام على الفقراء ثم رحل عنها بعد أن عين حسن بك محافظاً للمدينة وعاشت المدينة زمناً في أمن وهدوء وبلغ من قوة جيشها أن القبائل كانت تستعين به على مهاجمة القبائل المعتدية عليها.
وفي عام 1254هـ عادت بعض القبائل إلى التمرد وقطع طرق التجارة فعاد الخوف والصراع إلى المدينة فعاشت فترة من الصراع الدامي فقطعت التجارة وارتفعت الأسعار وأصبحت القبائل تهدد المدينة ولكن التهديد لم يبلغ أسوارها.
وتكالبت الدول الأوربية للقضاء على قوة محمد علي باشا فعقدت معاهدة عام 1256هـ تنص على حصر سيادة محمد علي في مصر ومنحه ولايتها بصورة وراثية وأراد محمد علي أن يسحب قواته بسلام فبدأ بسحبها من المدينة المنورة ومهد لها الطريق والسفن التي تحملها إلى مصر وساعده على ذلك الشريف محمد بن عون حيث قام بضرب القبائل وتسكينها ليؤمن الطريق لقوات محمد علي ومكث في المدينة عدة أشهر لتأمين رحيل القوات المصرية وجاءت قوات عثمانية فتسلمت المدينة وأعادتها إلى سلطة الدولة العثمانية وانتهى بذلك عهد محمد علي باشا.
------------------
للتوسع:
التاريخ الشامل ج2/464-481

No comments:

Counter